السبت، 27 يوليو 2013

جربنا كل شئ

جربنا كل شيء


البعض يبذل جهوداً جبارة في التغيير، لكنه لا يحصد النتائج التي يريد، فيقول بكل ثقة.. "لقد جربنا كل الوسائل ولم تفلح". وهو بذلك يريح نفسه من عناء التفكير في تطوير الوسائل التي بين يديه، أو تطوير وسائل جديدة. هي صيغة استسلامية بنكهة ادعاء استفراغ الجهد. وهي لا تقرر واقعاً فحسب، أن ثمة مجموعة جربت وسائل لم تنجح، ولكنها تصادر حق الآخرين في المحاولة، لقد جربت المجموعة كل الوسائل ولم تنجح، فأرح بالك من التفكير!!
ترى هل يمكن لإنسان أن يجرب فعلاً كل الوسائل؟! وإن فرضنا جدلاً أن هذا ممكن عقلاً، ترى هل مجرد التجربة تقيم الحجة على الوسيلة لتقرر مدى صلاحيتها؟!
لو أنك ليست لديك أية خبرة بالعزف على الآلات الموسيقية، ووضعت بين يديك مجموعة من الآلات، الناي والبيانو والجيتار، وقلت لك أريد أن أسمع لحناً بأي آلة تختار. حينها ستمسك كل آلة عشر دقائق، محاولاً عزف أي جملة موسيقية، ولكن دون جدوى، ربما تغضب وتقول لقد جربتُ كل الوسائل، لكن الواقع أقوى من الألحان.


إن توجيه العتاب إلى الوسائل بدلاً من توجيهه إلى العقل يعكس إرهاقاً من الفعل أكثر منه خطاب منطقي يبحث في أسباب الإخفاق في استخدام الوسائل.
ليست العبرة باستخدام الوسيلة، ولكن بكيفية استخدامها. إن كنت تعزف على البيانو؛ هل يعقل أن تقول لقد جربت كل مفاتيح العزف البيضاء والسوداء، ورغم ذلك لم يخرج أي لحن مفهوم؟! إذن .. البيانو به عطل!!
استخدام الوسائل فن مثل العزف، له نسق ومنطق، ومجرد تحريك الأصابع على مفاتيح البيانو لا يعني أنك استخدمته، حتى وإن بذلت الكثير من الجهد، وسال المزيد من العرق، مجرد الإصرار على هذا الفعل ولو بإخلاص لن يجبر هذه الآلة العنيدة على إخراج معزوفة تنصت لها الأفئدة. فالوسائل لا تجامل مستخدميها، هي دائماً تطالبهم أن يقرأوا كتيب إرشادات الاستخدام أولاً، وأن يحترموها كي تحترمهم.
إن كنت تود سماع لحن التغيير الساحر عليك أن تحسن اختيار الوسيلة، لن تسمع صوت الناي وأنت تدق بحرارة على طبل، فإن اخترت الوسيلة السليمة فاختر المكان والتوقيت المناسبين، ومدى الاستخدام المطلوب، وحدد بدقة من الفاعل، وهل هذه الوسيلة جزء من مجموعة وسائل تم ترتيبها بإحكام، أم أنها مجرد وسيلة في فراغ، أشبه بضغطة قوية على مفتاح أسود في البيانو لا يدري العازف بعدها على أي المفاتيح سيضغط. إن عرفت كيف تستخدم الوسيلة، وعرفت موقعها وترتيبها من الوسائل الأخرى فأنت بحق تجيد فن استخدام الوسائل، أو ما يطلق عليه "التكتيك".
وكما أن مفاتيح العزف يمكن أن تخرج منها مقطوعة موسيقية سريعة أو بطيئة، حزينة أو مبهجة، فإن وسائل التغيير يمكن أن تنتج عدداً لا حصر له من الأعمال الرائعة، ذلك فقط لمن يجيد قراءة النوتة الموسيقية، ويعرف كيف ومتى يستخدم كل مفتاح.
مشاريع التغيير تتطلب الأمرين معاً، إجادة استخدام الوسائل التي بين أيدينا بالفعل، والتنقيب عن وسائل جديدة، وكما أن مفاتيح البيانو المحدودة تنتج لنا آلاف المقطوعات الموسيقية، فإن نفس الوسائل يمكن إن تم استخدامها بنسق معين أن تنتج آلاف الأشكال من الفعل والتأثير، فكيف إن كانت وسائل التغيير لا يحدها عدد، إذن يمكن إبداع ملايين الأشكال من الفعل.
هل العيب في آلة العزف أم في العازف؟! الوسيلة ذاتها لا تبوح بالألحان، فالألحان مخبأة في عقل العازف. لا بأس أحياناً من إعلان أن هناك وسائل لا تصلح، لكنه إعلان العالم المجرب، وهو لا يعلن ذلك ليسد الباب أمام أية محاولة لإبداع وسائل جديدة، ولكنه يبشر أن هذا هو أوان البحث عن وسائل جديدة.
يصعب تصديق خرافة أن أحداً جرب كل وسائل التغيير ولم تفلح، فوسائل التغيير لا تخذل أصحابها إن أتقنوا استخدامها، كما أنه لا يمكن ادعاء استنزاف جميع الوسائل، فالوسائل طاقة متجددة لا تنضب. 
وائل عادل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق